فصل: الفصل السادس والتسعون (تابع المواعظ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***


الفصل الثالث والتسعون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

سبحان من فاوت بين القلوب فمنها ما لا يصلح إلا لخدمة الدنيا ومنها ما لا يصلح إلا للتعبد ومنها روحاني مشغول بمحبة الخالق‏.‏ للمتنبي‏:‏

أروح وقد خمنتُ علـى فـؤادي *** بحبـكَ أن يحـل بـه سـواكـا

فلو أني استطعت غضضت طرفي *** فلم أبصـر بـه حـتـى أراكـا

أحبكَ لا ببعضـي بـل بـكـلـي *** وإن لم يبق حبك لـي حـراكـا

ويقبح من سواك الفعـل عـنـدي *** فتفعله فيحـسـن مـنـك ذاكـا

وفي الأحباب مخـتـص بـوجـد *** وآخر يدعي معـه اشـتـراكـا

إذا اشتبكـت دمـوع فـي خـدود *** تبين من بكى ممـن تـبـاكـى

فأما من بكـى فـيذوب شـوقـاً *** وينطق بالهوى من قد تـبـاكـى

النهار يزيد في كرب المحب والليل يروحه السحر روضة نجدية يجد فيها المحب ضالة وجده، شراب المناجاة يروي ظمأ العشاق، لو رأيت المحب في الليل يتقلقل ويناجي حبيبه ثم يتململ وكلما أزعجه الشوق تحير وتبلبل، وما ألذ ما يصف حاله ويتعمل‏.‏

أحباي أما جفن عينـي فـمـقـروح *** وأما فؤادي فهو بالشوق مـجـروح

يذكرني مر الـنـسـيم عـهـودكـم *** فأزداد شوقاً كـلـمـا هـب الـريح

أراني إذا ما الليل أظـلـم أشـرقـت *** بقلبي من نار الغـرام مـصـابـيح

أصلي بذكراكـم إذا كـنـت خـالـياً *** إلا أن تـذكـار الأحـبة تـسـبـيح

يشـح فـؤادي أن يخـامـر ســره *** سواكم وبعض الشح في المرء ممدوح

لو لبس أحد المحبين حلة علم أنه من الزهاد، كيف يخفي الليل بدراً طالعاً، كم بالغوا في كتم الحال‏؟‏ وستر المحب محال‏:‏

أسائل عـمـن لا أريد وإنـمـا *** أريدكم من بينهـم بـسـؤالـي

فيعثر ما بين الكلام ورجـعـه *** لساني بكم حتى ينم بـحـالـي

وأطوي على ما تعلمون جوانحي *** وأظهر للـعـذال أنـي سـال

كلما قوي حامل المحبة، زيد في حمله، ‏"‏نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاءاً ثم الأمثل فالأمثل‏"‏ فوران قدر القلب من قدر شدة الإيقاد، كان يسمع لصدر الخليل أزيز من بعيد خوفاً من الله تعالى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي ولخوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء، كان الوحي إذا نزل عليه وهو على ناقته أثر فيها فربما وتدت بيديها في الأرض وربما بركت لثقل الوحي‏.‏

للشريف الرضي‏:‏

أحست بناري في ضلوعي فأصبحت *** يخب بها حر الـغـرام ويوضـع

تحنين إلا أن بـي لأبـك الـهـوى *** ولي لا لك الألف الخليط المـودع

وباتت تشكي رحـلـي ضـامـراً *** كلانا إذن يا ناق نضو مـفـجـع

أماعت قلوبهم بالخوف فهاتبهم الجوامد فالحجر يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم والسكين لا تعمل في الذبيح، مالك أيتها المدية وعادتك القطع‏؟‏ قالت بلسان الحال‏:‏ أخواتي تحز رقاب الكفار، وأنا قد ابتليت بقطع عنق إسماعيل فقد وقفت مدهوشة بالبلوى فعندي شغل، قطع يد زليخا يجوز فأما يد يوسف فمشكل أتراك تحلو لك عباراتي‏؟‏ أو تفهم إشاراتي، كم أجلو عليك عرائس المحبة‏؟‏ ولست كفؤاً، وإنما يحل النظر لمن يعقد، أقل أحوال القوم رفض الهوى وهذا كالمستحيل عندك، كانوا إذا ابتلوا صبروا ثم صاروا إذا ابتلوا شكروا، ثم رأوا في البلى المبتلى، فسكروا أين الذين أصفهم‏؟‏ مروا وعبروا‏.‏

ليس بالصب من يحرك بالشـكـوى *** لسـانـاً ويودع الـدمـع خـــدا

أيها الوامق الذي جعل الكـتـمـان *** بين الـوشـاة والـحـب ســـدا

صاح لولا صوني الغرام لأجـريت *** دموعاً توفى على الـبـحـر مـدا

قل لحي على اللوى والكثيب الفـرد *** جاد الحـيا الـكـثـيب الـفـردا

قد وقفنا من بعدكم نـسـأل الـبـان *** ضلالاً عنكم ونـشـكـو الـرنـدا

أين تبغي يا حادي الركـب أفـنـيت *** المـطـايا سـيراً ذمـيلاً ووخـدا

قف قليلاً في الربع وارفق فما أبقيت *** منـهـا إلا عـظـامـاً وجـلـدا

فلدار الهـوى عـلـينـا حـقـوق *** إن تـركـنـا أداءهـا كــان ادا

يا بني الورد والوفاء ومـا أسـمـع *** إلا قـــولاً وفـــــاءاً وودا

لم نقضتم من غير جـرم عـهـوداً *** ما نقضنا منها على الرمل عـهـدا

كم أنشر بز المحبة ولا أرى إلا مفلساً، تنزهوا في السلع فسهل على طي المنشور، ما أحلى ذكر الأحباب ما أطيب حديث أولي الألباب‏.‏

لصردر‏:‏

إيه أحاديث نعمان وسـاكـنـه *** إن الحديث عن الأحباب أسمارُ

أفتش الريح عنكم كلما نفحـتْ *** من نحو أرضكم نكباء معطارُ

تمكن الحب من حبات قلوبهم فأخرجهم إلى الوله فلو رأيتموهم لقلتم مجانين‏.‏

قد لج بي الغرام حتى قـالـوا *** قد جن بهم وهكذا البـلـبـال

الموت إذا رضيتم سـلـسـال *** في مثل هواك ترخص الآجال

كانت رابعة تقول‏:‏ لقد طالت علي الأيام والليالي بالشوق إلى الله تعالى‏.‏

أمرت عنك بصـبـر *** وليس لي عنك صبر

يا آمري بالتـسـلـي *** ما لي مع الشوق أمر

قال الشبلي‏:‏ رأيت جارية حبشية فقلت من أين‏؟‏ قالت من عند الحبيب، قلت‏:‏ وإلى أين‏؟‏ قالت‏:‏ إلى الحبيب، قلت‏:‏ ما تريدين من الحبيب‏؟‏ قالت‏:‏ الحبيب‏.‏

وجدي بكم وصفو ودي لـكـم *** والقلب فمذ نأيتـم عـنـدكـم

عيني عين لبعدكـم بـعـدكـم *** لو شقوا قلبي لما رأوا غيركما

الفصل الرابع والتسعون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

يا هذا اشتغلت بفنون تعليلك عن ذكر تحويلك وستسلب من أخيك وخليلك وعلى تخبيطك وتخييلك‏.‏

كأنك بالمضي إلى سـبـيلـك *** وقد جد المجهز في رحيلـك

وجيء بغاسل فاستعـجـلـوه *** بقولهم له أفرغ من غسيلـك

ولم تحمل سوى كفن وقطـن *** إليهم من كثيرك أو قلـيلـك

وقد مد الرجال إليك نـعـشـاً *** فأنت عليه ممدود بطـولـك

وَصَلوا ثـم إنـهـم تـداعـوا *** لحملك في بكورك أو أصيلك

ولما أسلموك نزلت قـبـرك *** ومن لك بالسلامة في نزولك

أعانك يوم تـدخـلـه رحـيم *** رؤف بالعباد على دخـولـك

فسوف تجاور الموتى طـويلاً *** فدعني من قصيرك أو طويلك

أخي إني نصحتك فاستمع لـي *** وبالله استعنت على قبـولـك

ألست ترى المـنـايا كـل يوم *** تصيبك في أخيك وفي خليلك

إخواني ما من الموت بدّ، باب البقاء في الدنيا قد سد كم قد في القبر قد قد‏؟‏ كم خد في الأخدود خد‏؟‏ يا من ذنوبه لا تحصى إن شككت عد، يا من أتى باب الإنابة كاذباً فرد لقد حملت على نفسك ما يثقلها، فحسبك ما قد مضى أتقتلها‏؟‏ يا طول سفرة الموت أولها أين جزع النفس‏؟‏ أين تململها‏؟‏ كأنها بالمرض قد نزل يزلزلها ويعث إليها رائد الأسف يستعجلها، الحذر الحذر فقد فوق السهام مرسلها، الدروع الدروع فقد جلى السيوف صيقلها ما هذه الخصال المذمومة‏؟‏ أتؤثر العقول لذة مسمومة‏؟‏ ما هذا الحرص‏؟‏ والأرزاق مقسومة، أنسيت يوم تنشر الصحف المختومة‏؟‏ أما تعلم أنها ستظهر قبائح مكتومة‏؟‏ يا لها لوعظة بين المواعظ كالأيام المعلومة أحسن من اللآلئ المنثورة وأعجب من العقود المنظومة العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة‏.‏

أيها لمعلم تثبت على المبتدى ‏"‏وقدِّر في السَّرْدِ‏"‏ فللعالم رسوخ وللمتعلم قلق، ويا أيها الطالب تواضع في الطلب فإن التراب بينا هو تحت الأخمص صار طهور للوجه، السهر مرقي إلى أطيب مرقد‏:‏

الهون في طلب الهوينا كامـن *** وجلالة الأخطار في الأخطار

قلب العالم بحر ما للجنة قرار، إذا نزل غواص الفكر ترقى إلى ساحل اللسان قدر الإمكان، مياه المعاني مخزونة في صدر العالم تفتح لزرع قلبه‏.‏ سيحاً بعد سيح، ويدخر أصفاها قوتاً للروح، فإذا تكاثرت عليه صاح السيل العالم ينفخ في صور فيه بعبارة التخويف فيموت هوى العاصي ثم ينفخ في صور التشويق فيحيي روح المعرفة فيخرج التائب من قبر غفلته في كفن يقظته وقد بدلت الأرض غير الأرض فيفتح له رضوان الرضا باب جنة الوصل‏.‏

لا تظنوا العالم شخصاً واحداً، العالم عالم تصانيف العالم أولاده المخلدون دون أولاده، من خلق للعلم شف جوهره من الصغر فتراه ينفق في الجد بضاعة الشبيبة ويسابق سائق العجز، يصل الكدود ليله بنهاره، كدود القز في زمان الشدة فإذا امتلأ وعاء قلبه بما وعى نسج الفهم في زوايا الذهن من المعاني المستنبطة نسج القز فإذا رأى عرياناً من العلم فأراد كسوته بعث الفكر فسل من لطائف اللطف طاقات ثم أرسلها إلى صانع القوة فبالغ في تحسينها وتأنق في تلوينها ثم ينسجها اللسان على منوال البلاغة فتظهر رقوم نقوشها عن شدود عقدتها الفطن الباطنة فإذا الثوب نسيج وحده ومثل تلك المطارف الطرائف لا تبتذل إلا في عيد مجلس الذكر، ليس كل من ربى دود القز سلالاً ولا كل قزاز سقلا طونيا‏.‏

آه، من اشتراك الأسماء وتلقيب القصدير بالبيع، ليس كل معدن عرق الذهب، ولا في بطن كل غزال مسك، ليس من عام في قرار البحر حتى وقع بالدر اليتيم كمن قعد على الساحل يجمع الصدف، أمراء العبارات رعية لفصاحتي، ويك إنه كيل بلا ثمن سقى فصاحتي سيح فقد تضاعفت علي زكاة الشكر، سافر لفظي ببضائع فكري من أرض قلبي إلى بادية فمي فسلم سلع النطق إلى منادي لساني هيهات فواكه الألفاظ اللذيذة في مذاق الأفهام السليمة ليس لها ثمن‏.‏ فهو يعرضها في موسم النصح على تجار الإرادة، فمن منكم يشتري حكمة بقبول‏؟‏ قد يرى علو مكاني وينسى الدرج كم قد خضت بحراً ملحاً‏؟‏ حتى وقعت بعذب، كم قطعت مهمهاً وحدي‏؟‏ حتى سميت بالدليل أنضيت مركب الجسم ورفضت شهوات الحس وواصلت الليل بالنهار في الجد وأوقدت في دجى الهوى نار الصبر فإن وثقتم بأمانتي فهذا تخيير الشراء‏:‏

شربت لأغلالي، رحيقاً بسـلـسـال *** من الشاهق العالي على غير تصريد

فأصبحت نشواناً من الشرب سكرانـا *** وأطرب أحياناً بلا نغـمة الـعـود

وكم جبت من وادٍ وسرت بـلا حـاد *** وبتُّ بلا زادٍ سوى ذكر معـبـودي

الفصل الخامس والتسعون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

كم تنذر الدنيا وما تسمع‏!‏ وكم تؤنس محبها من وصلها ويطمع‏!‏ فالعجب من فطن غره سراب يلمع‏.‏

يأتي على الناس أصباحٌ وأمساء *** وكلنا لصروف الدهر نـسّـاء

خسست يا دار دنيانا وربـتـمـا *** يرضى الخسيسة أوباشٌ أخساء

إذا تعطّفت يوماً كنت قـاسـيةً *** وإن نظرت بعين فهي شوسـاء

وقد نطقت بأصناف العظات لنا *** وأنت فيما يراك الناس خرساء

أين الملوك وأبناء الملوك ومـن *** كانت لهم عزة في الملك قعساء

نالوا يسيراً من اللذات وارتحلوا *** برغمهم فإذا النعمـاء بـأسـاء

الدنيا دار كدر بذلك جرى القدر فإن صفا عيش لحظة ندر، ثم عاد التخليط فيذر الورود فيها كالصدر ودم قتيلها هدر‏.‏

المرء من دنياه في كلف *** ومآله فيها إلى التلـف

ولكل شيء فائت خلف *** وحياتنا فوت بلا خلف

يا لاحقاً بآبائه وأمهاته لا بد أن يصير الطلا إلى مهاته، يا من جل همته شغل خياطة وطهاته يغلبه الهوى وهو غالب دهاته، إن كان لك عذر في تفريطك فهاته‏.‏

إخواني‏:‏ مر الزمان وعظ الألباب ويكفي في الإنذار موت الأصحاب، كم ترى في التراب من أتراب‏؟‏ أغمدت تلك السيوف في شر قراب تناولتهم يد البلى من كف استلاب، ويحك ضياء الدنيا ضباب، وشراب الهوى سراب، أترضى أن يقال قد خاب‏؟‏ أما لهذا عندك جواب‏؟‏ كلما دخلنا من باب خرجت من باب‏.‏

للشريف الرضي‏:‏

أذكر تصاب والمشيب نـقـاب *** وغير الغواني للمشيب صحاب

أومل ما لا يبلغ العمر بعضـه *** كان الذي بعد المشيب شبـاب

وطعم لبازي الموت لا شك مهجتي *** أسف على رأسي فطاف غـراب

وأثقل محمول على العين ماؤهـا *** إذا بـان أحـبـاب وعـز إياب

لله درّ أقوامٍ علموا قرب الرحيل فهيئوا آلة السفر وهونوا بالدنيا فقنعوا منها مما حضر واستوثقوا بقفل التقوى من أذى النطق والنظر‏؟‏ مالك خبر بحالهم ولا عندك منهم خبر، قاموا في الجد وقعدت وسهروا في الدجى ورقدت، طالما نصبوا في خدمة المالك، وناقشوا أنفسهم مناقشة مماحك، وآثروا بالزاد فزادوا على البرامك، واختبروا بالبلى كالتبر عن السابك، هذه طريقهم فأين السالك‏؟‏ أترضى بالتأخر عنهم‏؟‏ هذا برائك كأنك بهم وقد دخلت على الملأ الملائك، كل يا من لم يأكل هذا بذلك لما أريدوا أفيدوا لما شكروا المنعم زيدوا، ولو فتروا عن التعبد قيدوا، نام العلاء بن زياد ليلة عن ورده فجذب في نومه بناصيته وقيل له قم إلى صلاتك فما زالت الأخبار قائمة في حياته ‏"‏نحنُ جعلناها تَذكِرَةً‏"‏‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ غلبتني عيني، فإذا أنا بالحوراء قد ركضتي برجلها وهي تقول‏:‏ أترقد عيناك‏؟‏ والملك يقظان‏؟‏ قال‏:‏ ونمت ليلة أخرى، وإذا بها توقظني وتقول‏:‏ أتنام‏؟‏ وأنا أرتي لك في الخدور منذ خمسمائة عام‏.‏

للنابغة الذبياني‏:‏

أقول والنجم قد مالـت أواخِـرُهُ *** إلى المغيب تبينُ نظـرةً حـارِ

ألمحةً من سنا برق رأى بصري *** آم وجهُ نُعمٍ بَدا لي أم سنا نـار

أُنبئت نُعماً على الهجران عاتـبةً *** سَقياً ورعياً لذاك العاتب الزاري

قلوب القوم في الدجى قلقة وأفئدتهم من الخوف محترقة والنفوس من هجر الحبيب فرقة، وجفونهم من البكاء غرقة، وعروق المحبة في سويدائهم علقة، وشفاههم بكأس المناجاة مصطحبة مغتبقة، والآمال إليه كل وقت منطلقة، وما عادت قط إلاّ وهي بالرجاء عبقة‏.‏

قل للمقيمين على وادي الـحـمـى *** عني إذا أتـيتـهـم مـسـلـمـا

قد صار طيب العيش مذ فارقتكـم *** على من بـعـدكـم مـحـرمـا

وكل شهد ذقتـه فـي وصـلـكـم *** قد عاد من بعد الفراق علـقـمـا

لا عيش لي إن غبتم عن نـاظـري *** وإن حضرتـم ربـمـا وربـمـا

إن سألوك عن سـقـام قـد رثـى *** لي فيه أهل الأرض مع أهل السما

فقل لهم ما يشتكـي مـن سـقـم *** لأنه يذكر فـيه الـمـسـقـمـا

واحسرة من مضوا وخلفوه، لقد استبدل بالعسل الخل فوه، آه على عيش ولّى ولا عودة، وعلى حادٍ سرى ولا وقفة، تالله لو ضارت العين عيناً ما وفت‏.‏

للمهيار‏:‏

يا لنسيم سَـحَـرٍ بـحـاجـز *** ردت به عهد الصِّبا ريح الصبا

سل من يدل الناشدين بالغضـا *** على الطريق ويردّ السـلـبـا

أراجعُ لي والمنى هـلـهـلةٌ *** وطالعٌ نجـمُ زمـانٍ غَـرَبـا

إذا اطمأنت أضلعي تـذكـرتْ *** نواك فاهتزت جوىً لا طربـا

تالله ما تعشق الأماكن لذاتها، بل لسابق لذاتها، لك يا منازل في القلوب منازل، للمعاهد عهد عند المعاهدة كلما تذكره الصبّ صبّ الدموع‏.‏

للمتنبي‏:‏

وما شرَقي بالماء إلاّ تـذكّـرا *** لماءٍ به أهل الحبـيب نـزولُ

وما عشتُ من بعد الأحبةِ سلوةً *** ولكنني للنـائبـات حَـمـول

أما في النجوم السائرات وغيرها *** لعيني على ضوء الصباح دليل

أعرف الناس بالطريق من قد سلك، إذا ذكرت منازل مكة حن الحاج‏.‏

للمهيار‏:‏

وإذا هبَّ صَـبَـا أرضـكـم *** حملتْ تُربَ الغضى باناً ورندا

رُدَّ لي يوماً على وادي منـى *** إن قضى الله لأمر فـات ردّا

عجباً لي كيف أبقى بعـدهـم *** غير أن قد خلق الإنسان جَلدا

الفصل السادس والتسعون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

يا من قد ملكته نفسه وغلبه حسه وقد دنا حبسه وستكف خمسه ولقد أنذره جنسه، عاتب نفسك لعلها ترعوي وسلمها إلى رائض العلم عساها تستوي، أحضر دستور المحاسبة وحاسبها واندبها إلى الخير فإن أبت فاندبها‏.‏

للمصنف‏:‏

يا ويح نفسٍ رضيت بالسقم *** وفرطتْ في عمر منصرمِ

تستر باللهو وتنس حتفهـا *** وتؤثر البعدَ على التـقـدُّمِ

وكلّما أصبحت أبكي فعـلـهـا *** أضحت عناداً لي في تبـسـمِ

تفرح بالفاني فما تطـلـب مـا *** يبقى لها فمن يكون حكـمـي

أقول يا نفس اتقي من لـم يزل *** معروفُهُ يفـوقُ وكـف الـديم

كم من ذنوب لك قد ستـرهـا *** وعاد بالفضل وبـالـتـكـرم

وكم له من نعـمة جـاد بـهـا *** وكم وكم أولاك طيب أنـعـم

كم واعظ في كـل يوم زاجـر *** وكـم نـذير زائر مـسـلـم

وكم ينـاديك لـسـان عـبـرةٍ *** وأنت عن قول الهدى في صمم

أين الذين شيّدوا واحـتـرسـوا *** وأين من كان كثير الـنـعـم

مضى الجميع هل ترى من أثرٍ *** لهم وصاروا في بيوت الظلـم

تبدلوا بالترب تربـاً كـلـهـم *** في قعر لحدٍ ضيِّقٍ مـنـهـدم

تفصلت عظامهم وحـصـلـت *** أعمالُهم وأصبحوا كـالـعـدم

وباشروا التراب بـعـد تـرفٍ *** وشـرف وحـجـب وخــدم

وســرر ودرى وطـــرف *** وتـحـف وصـولة وكــرم

ولـذة فـي شـهـوة لــذيذة *** وعزة فـي عـزمة وهـمـم

لو قيل قولوا ما مناكم طلـبـوا *** حياة يوم ليتـوبـوا فـاعـلـم

ويحـك يا نـفـسُ ألا تـيقـظ *** ينفع قبـل أن تـزلَّ قـدمـي

مضى الزمان في توان وهـوى *** فاستدركي ما قد بقي واغتنمي

انتظري الموت سيأتي بـغـتة *** وأنـت بـين أسـفٍ ونــدمِ

حرق وفـرق وحـســـرة *** وفيض دمع العين في تسجـم

وتـرحـلـين عـن ديار إلـفةٍ *** فانتبهي من رقـدات الـنـوَّمِ

من لي إذا نزلت لحداً مظلـمـاً *** هذا وكم من نازلٍ لـم يسـلـم

من لي إذا قرأت ما أمـلـيتـه *** أقبح مسطور جرى بالـقـلـم

من لي إذا أزعج قلبي حسـرة *** وهل ترى يشفي بفوزي ألمي

كيف الخلاص والكتاب قد حوى *** كلَّ فعالي وجميع كـلـمـي

يا نفس فاز الصالحون بالتقـى *** فأبصروا الرشد وقلبي قد عمي

يا حسنهم والليل قـد جـنَّـهـم *** ونورُهم يفوق نـورَ الأنـجـم

ترنَّموا في الذكر في لـيلـهـم *** فعيشهم قد طاب بـالـتـرنُّـم

قلوبهم للذكر قـد تـفـرَّغـتْ *** دموعهم كلؤلـؤ مـنـتـظـم

أسحارهم بهم لهم قد أشـرقـت *** وخلع الغفران خير الـقـسـم

سار وأوعدت عن طريق واضحٍ *** دلَّ على الرّشد دليل الـعـلـم

دعني أبكـي مـا حـييت أبـداً *** فحق لي أبكي فـلا لا تـلـم

يا عجباً لك تتسمى باسم تاجر، وتخاصم على الدرهم وتشاجر، وتصابر لربح القيراط الهواجر، وتغضب لأجل الجبة وتهاجر، وترضى بأفعالك باسم فاجر، أما لك من عقلك ناه ولا زاجر‏؟‏ يا من نومه كثير وانتباهه نادر، إن دعيتَ إلى التوبة سوَّفتَها، وإن قمتَ إلى الصلاة سففتها، وإن لاح وجهُ الدنيا ترشفتها، أما هي دار بلغة لضيفها، تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها، كم بادية في أرباح غير بادية تعسفتها‏؟‏ لقد استشعرت محبتها أي والله والتحفتها، تالله لو علمت جناياتها لعفتها، أنسيت تلك الذنوب التي أسلفتها‏؟‏ آه، لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها، كم تعد بالإنابة‏؟‏ وكل الوعود أخلفتها، فما تلين قناتك لغامز، ولا ترى ما تشتهي فتجاوز، ويحك، بين يديك أهوال وهزاهز، كم تقوم ولا تستوي‏؟‏ من يغير الغرائز‏؟‏ إبك لما بك، واندب في شيبك على شبابك، وتأهب لسيف المنون فقد علق الشبابك‏.‏

قد كان عمرك ميلا *** فأصبح الميل شبرا

وأصبح الشبر عقدا *** فاحفر لنفسك قبرا

عجباً للطرف كيف اغتمض‏؟‏ ولمكلف ما أدى المفترض، يا من كلما بنى على أن يلوذ بنا نقض، يا من إذا أدى حقاً، فعلى مضض، يا من إذا لاح له صيد الفاني جد وركض، يا من إذا قدر على جيفة الهوى جثم وربض، يا مشغولاً عن الجوهر بفاني العرض إيثار ما يفنى على ما يبقى أشد المرض‏:‏

ألا يا غافلاً تحصى عـلـيه *** من العمل الصغيرة والكبيرة

يُصاح بـه ويُنـذَرُ كـل يوم *** وقد أنسته غفلته مـصـيره

تأهب للرحيل فقـد تـدانـى *** وأنذرك الرحيل أخ وجـيره

وكم ذنب أتيت على بصـيره *** وعينك بالذي تأتـي قـريره

تحاذر أن تراك هناك عـين *** وإن عليك للعين البصـيره

وكم من مدخل لومـت فـيه *** لكنت به نكالاً في العشـيره

وقيت السوء والمكروه منـه *** ورحت بنعمة فيه سـتـيره

هذا حادي الممات قد أسرع، هذه سيوف الملمات تلمع، هذه قصور الأقران بلقع، إن وصلت الدنيا فعلى نية أن تقطع، وإن بذلت فعلى عزم أن تمنع، أفيها حيلة أم في وصلها مطمع‏؟‏ يا معرقاً في البلى قل لي لمن تجمع‏؟‏ إذا خلوت وتخليت فكيف تصنع‏؟‏ أترى أنت عندنا‏؟‏ أو ما تسمع‏؟‏ يا محبوساً في سجن هواه متى تتخلص‏؟‏ لو عرفتنا ألفتنا لنا أحباب لهم ألباب هم اللباب شغلهم على الدوام المحراب حاضرون معكم بالأبدان وبالقلوب غياب‏:‏

وشغلت عن فهم الحديث سوى *** ما كان منك فإنه شـغـلـي

وأديم نحو محدثي نـظـري *** إني قد فهمت وعندكم عقلي

ما نال الصالحون ما نالوا إلا بترك ما نطلبه وما نالوا، كانت هممهم في طلب الفضائل تغلي في القلوب غليان ما في القدور، تخايل القوم لذة الثواب فسهلت عليهم مرارات الصبر وتصوروا خلود الأبدان فهان عليهم بذل النفوس، جدوا في الجد فما سكنوا حتى سكنوا الجنة، وراحة المؤمن في الدنيا صفر من راحة، فلو رأيتهم في الجنان يسرحون منطلقين في أغراضهم يمرحون لا يدرون بأي مطلوب يفرحون، أبالنجاة من النيران‏؟‏ أم بالخلود في الجنان‏؟‏ أم بالخيرات الحسان‏؟‏ أم برضى المليك الديان‏؟‏ لقد نالوا بالمراد، ما لم يكن في الحسبان، من تلمح جولان مضمر الصبر في لذيذ العافية، وفرحة المفطر بعد إنصاب الصوم وتناول العذب بعد عذاب الظما، وسلامة الغريق بعد الإغراق في أذى الأذى، وخلاص التجر من مصر ماصر المكس وتلاقي الأحباب على باب الطول بعد طول الفراق رأى من قوة قرة العين ما لا يدخل تحت قياس بعد أن حدق ياس، وقد وصفنا ما حصل للقوم وجملة المبذول من الثمن ‏"‏بما صَبَرْتُمْ‏"‏‏.‏

قف بالمحصب واسأل أيها الرجل *** تلك الرسوم عن الأحباب ما فعلوا

فما أسائل عـن آثـارهـم أحـدا *** إلا أجاب غراب البين قد رحلـوا

الفصل السابع والتسعون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

من ركب الهوى هوى به والنفس إذا استعملت التقوى تقوى به،

إن كنت يا صاح لبيباً حازماً *** فكن لأسباب الهوى مُراغما

لا تهو دنياك فإن حـبَّـهـا *** رأس الخطايا تكسب المآتما

غرارة فكل من حلـت لـه *** لا بدَّ أن تذيقه العلاقـمـا

وإنما تخدم من آهـاتـهـا *** كما تهين من أتاها خادمـا

فكن بها مثل غريب مصلح *** أزواده على الرحيل عازما

وبادر الأيام قبل فـوتـهـا *** مخاصماً للنفس أو مسالمـا

فإنما عمر الفتى سوق لـه *** يروح عنها خاسرأ أو غانما

يا من يخطي على نفسه ويقترف متى تندم وتعترف‏؟‏ يا من بحب العاجل قد كلف، ستعلم غداً جفن من يكف، يا محبوساً في سجن الهوى لو ارعوى أنف، يا متردداً في التوبة سارع ولا تقف إلى متى أعمالك كلها قباح‏؟‏ إلى كم فساد‏؟‏ متى يكون الصلاح‏؟‏ ستفارق هذه الأجساد الأرواح، إما في غدو وإما في رواح ، سيفنى هذا المساء والصباح، وسيخلو البلى بالوجوه الصباح، أفي هذا شك‏؟‏ والأمر صراح، أين شارب الراح‏؟‏ راح إلى قبر تسفي عليه الرياح، خلى للبلى والدود مباح، لهما اغتباق به ثم اصطباح، عليه نطاق من التراب ووشاح، عنوانه لا يزال مفهومه لا براح، مشغول عمن بكى عليه وناح، أما هذا لنا عن قليل‏؟‏ إنا لوقاح، كأنك بملك الموت قد صوت بالروح وراح، فتأهب للنقلة على غفلة‏:‏

لم أدر بالبين حتى أزمعوا ظعناً *** كل الجمال قبيل الصبح مزموم

هذا حادي الرحيل قد استعجلكم فالبدار البدار خلوا كسلكم ودعوا التواني فالتواني قد قتلكم، وا أسفي قد سبق الصالحون فماذا شغلكم ‏"‏فستذكرونَ ما أَقولُ لكُمْ‏"‏‏:‏

ما على حادي المطايا لو ترفق *** ريثما أسكب دمعي ثم أعنـق

يا فؤاداً كلما قـلـت خـبـت *** ناره ألهبه الوجد فـأحـرق

ذلك العيش الـذي فـات بـه *** سائق الدهر فولّى أين يلحـق

زال إلا خطـرة مـن ذكـره *** كاد إنساني لها بالدمع يشرق

يلذع القلب إذا غنـى عـلـى *** فنن أو ناح قمري مـطـوق

يا معدوداً مع الشيب في الصبيان، يا محبوساً مع البصراء في العميان، يا واقفاً في الماء وهو ظمآن، يا عارفاً بالطريق وهو حيران، أما وعظت بآي القرآن‏؟‏ أما زُجرت بناي الأقران‏؟‏ أما تعتبر بصروف الزمان‏؟‏ أتعمر المنزل وعلى الرحيل السكان‏؟‏ أما يكفي وعظ‏؟‏ ‏"‏كلُّ مَنْ عليها فان‏"‏، تسافر ببضائع الأمانة وما تنزل إلا في خان من خان، أفعالك كلها مكتوبة فيا ليت ما كان ما كان، تدفن الميت ولا وعظ كالعيان، ثم تعود غافلاً يا قرب ذا النسيان، ويحك أما تدري أن الهوى هوان ‏"‏ألَمْ أَعْهَدْ إليكمْ يا بني آدمَ أنْ لا تعبدوا الشيطان‏"‏‏.‏

نراع إذا الجنائز قابلتـنـا *** ونسكن حين تخفى ذاهبات

كروعة ثلة لظهـور ذئب *** فلما غاب عادت راتعات

يا مستأنساً بظل متقلص، يا حريصاً على الهوى والموت عليه يحرص، يا من إذا كال فمطفف وإن وزن فمتلصص، ما تتخلص من معامل وهو عند الله متخلص، تفكر فيمن أصبح مسروراً فأمسى وهو متنغص، ومتى ازددت لذة فاذكر قبلها المنغص، حاسب نفسك وخذ على يديها، لا ترخص حائط الباطن خراب فلماذا تجصص‏؟‏‏.‏

يا ابن آدم أنت بين ذنب لا تدري أغفر‏؟‏ وحسنة لا تدري أقبلت‏؟‏ فأين الانزعاج‏؟‏ لما سترت عن الصالحين العواقب استراحوا إلى الأحزان وفزعوا إلى البكاء، كانوا يتزاورون فلا تجري في خلوة الزيارة إلا دموع الحذر‏.‏ كان أشعث الحراني يزور حبيب العجمي فيبكيان طول النهار‏.‏

باحت بسرّي في الهوى أدمعي *** ودلَّت الواشي على موضعـي

يا قوم إن كنتم على مذهـبـي *** في الوجد والحزنِ فنوحوا معي

يحق لي أبكي علـى زلـتـي *** فلا تلوموني علـى أدمـعـي

أخواني‏:‏ أتدرون ما أقلق هذا التائب‏؟‏ أعلمتم ما أقدم هذا الغائب‏؟‏‏.‏

سرى نسيم الصبا من حاجر فصبا *** فبات يشكو إلى أنفاسه الوصبـا

ما يبرح البارق والنجديّ يذكـره *** نجداً ويلهبه وجداً إذا التـهـبـا

يحق لمن رأى الراحلين إلى الحبيب وهو قاعد أن يبكي ولمن سمع بأخبار الواصلين وهو متباعد أن يقلق‏.‏

أبصر الركب على الجزع ضحى *** فتوالى دمعـه مـنـسـفـحـا

يا خليلي بجرعـاء الـحـمـى *** سائلاً من حل ذاك الأبـطـحـا

وخذا عني أحـاديث الـغـضـا *** بخل الراوي بها أو سـمـحـا

واستملاها بدمعـي واكـتـبـا *** عن أخي الشوق إذا ما شرحـا

وإذا هب الـصـبـا قـولا لـه *** عد فقد هيَّجت قلباً ما صـحـا

يا أهل الحـيّ مـن كـاظـمةٍ *** عاد مستور الهوى مفتضـحـا

إذا رأيتم قلقاً فارحموه، وإذا شاهدتم باكياً فوافقوه، وإذا عاينتم واجداً فاتركوه‏.‏

خلني من العـذل *** ما الفؤاد من قبلي

لا تسل ففي كبدي *** شعلة من الشعل

يا أطفال الهوى أين أنتم والرجال‏؟‏‏.‏

كم من حث وما أرى غـير بـطـا *** لو حركت العزم نحونا فضل خطى

تعصي قصداً وتدّعـيه غـلـطـاً *** تصمي عمداً وتزعم القتل خـطـا

يا هذا إذا هممت بخير فبادر لئلا تغلب، وإذا هممت بشر فسوف هواك لعلك تغلب، ثقف نفسك بالآداب قبل صحبة الملوك فإن سياسة الأخلاق مراقي المعالي‏.‏

قال بزرجمهر‏:‏ أخذت من كل شيء أحسن ما فيه حتى من الكلب والهر والغراب، قيل ما أخذت من الكلب‏؟‏ قال‏:‏ ذبه عن حريمه وإلفه لأهله، قيل فما أخذت من الهر‏؟‏ قال‏:‏ رفقها عند المسألة ولين صياحها، قيل‏:‏ ومن الغراب‏؟‏ قال‏:‏ شدة حذره‏.‏

لولا سخط نفس أبي بكر عليه لمفارقة هواها ما نال مرتبة‏:‏ أنا عنك راض، لولا عري أويس ما لبس حلة، يشفع مثل ربيعة ومضر، يا كثير الذنوب متى تقضي‏؟‏ يا مقيماً وهو في المعنى يمضي، أترك الهوى محموداً قبل أن يتركك مذموماً، إن فاتتك قصبات السبق في الزهد فلا تفوتنك ساعات الندم في التوبة، يا من كلما حرك إلى الجد الجد سوف، يا من شدد عليه الوعيد وما تخوّف، يا مريض الهوى بل يا مدنف إن كنت لا تعرف الدواء فالطبيب قد عرف، هذا ممكن النصائح ثم أنت بنفسك أعرف‏.‏